الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة أخرجه رضا التليلي: ما قصة الفيلم الذي أوصت لجنة انتقاء بعدم عرضه في ايام قرطاج السينمائية؟

نشر في  30 جانفي 2018  (16:08)

في فيلم "تُنسى وكأنك لم تكن" للمخرج رضا التليلي: الكلمة لأطياف الحرية

"أردت تبليغ أصوات هؤلاء الشبان"... هكذا تحدث المخرج رضا التليلي عن فيلمه الوثائقي الجديد "تُنسى وكأنك لم تكن"، عنوان يقتدي بقصيد الشاعر الفلسطيني محمود درويش. وقد عرض الفيلم مؤخرا بدار الثقافة ابن رشيق في إطار أنشطة نادي سينما تونس.

ينقل فيلم "تُنسى وكأنك لم تكن" قصة 4 شبان أصيلي معتمدية سيدي علي بن عون من ولاية سيدي بوزيد، 4 شبان رافقتهم كاميرا رضا التليلي على مدى 3 سنوات (بين 2013 و2016) لتروي أحلامهم كما خيباتهم. تونسيون شبيهون بعديد التونسيين في طيبتهم، في تعلقهم بأرضهم، في شغفهم بالفن، وشبيهون أيضا بمن يعاني التهميش والظلم. فسيدي علي بن عون تعيش على هامش الوطن، أرض منسية، تفتقر الى عديد المرافق ومنها دار ثقافة توفر أنشطة فنية وغذاء روحيا للمتساكنين.

وسط هذا الواقع المهمش، ينصب رضا التليلي كاميراه ليصور عبثية الحياة في هذه الربوع.. أفراد تفكر ومحيط مغلق، أفراد تنشد الحرية وأفق ضيق يحكم على منتسبيه بالإحباط. فما يهديه الوطن لأبنائه لا يتجاوز الخيارات الموجعة، فإما السجن وإما الهجرة وإما الاستدعاءات المتتالية من قبل مركز شرطة المكان مثلما جاء على لسان أحد شخصيات الفيلم.  

هم ليسوا بـ"الحيطيست" الذين يرابطون أمام الجدران هادرين وقتهم دون اي مبادرة أو منتظرين حلول جاهزة، بل هم كويرات من طاقة لا تنضب، أرواح هائمة، ملح الحياة، أفراد يصرون على المقاومة مكتفين بالقليل جدا. ترتفع أصواتهم في الشوارع الخلفية وفي قيض المخابز، في المدارس المنكوبة، في المستودعات المهجورة، في المحلات المظلمة وفي الأحراش النائية..

يصور رضا التليلي غليان شافي وبوجديق والآخرين، غليانهم ضد خيارات السلطة غير الصائبة، ضد  الرأسمالية، ضد فقدان الذاكرة، ضد شهود الزور، ضد اللاعدالة الاجتماعية، ضد "العباد الي ضدهم". كلامهم كثير لكنه ليس بالهراء. كلام ينبض حرية وحبا للأرض والحياة قبل الغضب. كلام لن يستمع اليه الا قليلون ممن أرادوا الاصغاء الى صوت المنسيين، الى هموم المنبوذين الذين تجاهلهم المركز وكأنهم لم يكونوا، كأنهم لم يولدوا في هذا الوطن ولم يحملوا بطاقات هويته.. كلام في الكلام، كلام للكلام قد يلتقطه سينمائي أو فنان ليعرضه على شاشة في قاعة ما ليصل الى آذان أقلية من الهامش التي لن يستمع الى شكاويها أحد. 

تدور أحداث الشريط في حلقة سيدي علي بن عون المفرغة، حلقة قوامها غليان الأذهان وتهميش المكان والأفراد دون أفق ممكن، دون بصيص باعث للامل. "عييت، عييت.. لم أسرق، لم أقتل.. لست بالمجرم" يقول بوجديق للكاميرا حاله حال المناضل النقابي عبد السلام الحيدوري والمناضل بالحركة الطلابية فريد السليماني وغيرهم ممن اتهموا ظلما بحرق مركز الجهة يوم اغتيال الشهيد محمد البراهمي وذلك مثلما شرحه المحامي خالد عواينية في الفيلم.

 يعطي المخرج الكلمة لهؤلاء فترتسم صورة مغايرة تماما لسيدي علي بن عون، فطالما سمعنا عن تغلغل الفكر المتطرف فيها وعن انخراط عدد من ابنائها في الإرهاب، غير أن الواقع الذي صوره التليلي من خلال الشخصيات التي سلط عليها الضوء يعكس قيم التعلق بالوطن والحرية وحب الفن. وفي هذا السياق، جاءت شهادة فريد السليماني كالتالي: "تمت مجابهة كل التحركات بالسجن والتعنيف وتم كيل التهم للمحتجين على أساس أنهم ارهابيين.. هكذا تعاني المنطقة من تهمة الارهاب جزافا في حين انها منطقة فقيرة ومحرومة ومهمشة".

رغم كل القيود المضروبة عليها، يتوفق التليلي في تصوير حرية شخصيات فيلمه، حريتهم التي سمحت لهم بأنوا يكونوا مختلفين، مغايرين للنمط، بأن ينشدوا عدالة ما، بأن يحلموا بالافضل عندما تغيب الدولة وينسدل الليل على الوجود. في "تُنسى وكأنك لم تكن"، مُنحت الكلمة لأطياف الحرية، هؤلاء الذين لا منبر لهم ولا مصدح. هؤلاء الاحرار الذين يعانون في صمت، يُحاكمون ويُزجون في السجون ولكنهم يظلون حالمين بالتحرر ومتمسكين بحب الحياة.

يبقى أن نتساءل، ونحن الذين شاهدنا الفيلم في عرضه الوحيد في تونس عن الاسباب التي دفعت بلجنة انتقاء الأفلام الوثائقية في الدورة الاخيرة لأيام قرطاج السينمائية لإصدار توصية بعدم عرض فيلم "تُنسى" في قسم بانورما السينما التونسية؟ هل هو خوف من الحقيقة المرّة ومحاباة للسلطة؟ أم هي وصاية على ذوق المشاهدين وصنصرة مقنعة من قبل "جمارك الفكر" الجدد مثلما سماهم رضا التليلي؟ 

شيراز بن مراد